كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ووجه الاعتبار أن اللّه تعالى الحق الاثنين بالثلاث فيما يتعلق بميراث الأخوة في استحقاق الثلثين، وفيما يتعلق بميراث البنات، وغاير بين الواحدة والثنتين، فيدل ذلك على أن حكم الاثنتين أقرب إلى الثلاث منه إلى الواحد.
ولابن عباس أن يعترض على هذا الكلام من أوجه:
أن اللّه تعالى شرط في حجب الأمهات عددا فقال: {إن كان له إخوة}، وذلك يقتضي التقييد الذي لا يجوز تركه وإلغاؤه، فإذا حصل بالثنين بطل فحوى الكلام في التقييد.
ولو قال للواحد: فإن كان له أربعة إخوة فلأمه السدس، كان الكلام ركيكا، وأن عدد الأربعة لا يتعلق به حكم، فالتقييد بالثلاث مثل ذلك على رأي من لا يجعل لهذا القيد أثرا.
الوجه الثاني: أن الأصل في حق كل مستحق للميراث، أن لا يسقط ولا ينتقض إلا بتوقيف قاطع، والأم مستحقة بقرابتها، فما لم يثبت قاطع في حجبها لا يسقط حقها، فإذا شهد الظاهر للثلاثة وجب الرجوع إلى الأصل، فكان الذي لا يحجب الأم بالاثنتين متعلق بالظاهر، ومتعلق بالأصل في ميراث الأم.
الوجه الثالث: أن مساواة الأخوين للثلاث في حكم من أحكام الميراث، لا يقتضي مساواتهما لهم في كل حكم، فإن الزوجة الواحدة تساوي للعدد في الميراث، والجدة الواحدة تساوي الجدات في نصيب الجدات، وبنت الابن مع البنت الواحدة حكمها حكم الجماعة، فإنه لا يفرق بين بنت الابن الواحدة وبين الجماعة من بنات الابن، وكذلك في الأخوات من الأب مع الأخت من الأب والأم، فليس لذلك قانون مطرد.
وغاية الأمر فيه أن يقال في حق الأخوة والأخوات وما في منزلتهم الأمر كذلك.
وإذا لم يختلف مقدار ميراثهم في الاثنتين والجماعة، لم يختلف مقدار قولهم في الحجب في حق الاثنتين والعدد، وفي حق الزوجان لا يختلف ميراثهن بالواحدة والعدد، إلا أنه لا يظهر حكم ميراثهن في حجب حرمان أو إسقاط، فكأن الشرع يقول لنا، كمال قوة الأخوة في الميراث، يقتضي حجب الأم، الثلث إلى السدس، وكمال قوتهم بكمال حقوقهم في الميراث، وفي ذلك يستوي الاثنان والجماعة.
ولما كانت قوة قرابة أولاد الميت وأولاد أولاده، أو في من قوة قرابة أولاد أب الميت، لا جرم أصل ميراث الأولاد دون كماله كان كافيا في حجب الأم، مثل البنت الواحدة وبنت الابن الواحدة، وإن كان ميراث الثنتين أوفى.
وإنما يظهر أثر ذلك في معنى آخر، وهو أن قوة قرابتي الأولاد إذا لم تكف في حرمان أولاد الابن، فكمال قوة بنات الصلب في الميراث تكفي في إسقاط أولاد الابن.
وكذلك كمال ميراث الأخوات من الأب والأم كاف في إسقاط أولاد الأب فقط، فإذا قلنا لا يقع حجب الأم بالأخت الواحدة، وإنما يقع بكمال قوتهم من الميراث، فذلك يقتضي التسوية بين الاثنين والثلاث، وهذا بيّن ظاهر، وهو نظر دقيق في نصرة قول جماهير العلماء.
ويمكن أن يقال إن العدد الكثير من الصحابة لم يتفقوا على مخالفة الظاهر إلا بتوقيف.
أما هذا المعنى الذي قلناه فدقيق، لبعد اجتماع الجم الغفير على ذلك، وترك الظاهر بسببه، فيظهر تقدير توقيف، وإن لم ينقل، يعلم أنهم به تركوا الظاهر، والعلم عند اللّه.
فهذا وجه منقول عن كافة الصحابة في مخالفة الظاهر.
الوجه الآخر: ما نقل عن قتادة أنه قال: إنما يحجب الأخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب، لأنه يقوم بنكاحهم، ويلزمه المؤن بسببهم لتحقيق إربهم، فأما الأخوة من الأم، فخارجون عن ذلك ولا يحجبون مع الأب، فخالف به مطلق قوله تعالى: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}.
وليس لقوله هذا وجه، فإن الذي يلتزم من المؤن ليس يلتزمه عوضا عن الميراث، بل يلتزمه بحكم الأبوة، ولا تعلق لذلك بالميراث، فلو كان الإبن كافرا، فعلى الأب نفقته أيضا ولا يحجب الأم.
الوجه الثالث في مخالفة الظاهر: ما نقل عن ابن عباس، أن الأخوة مع الأب لا يحجبون الأم، إلا عن قدر يأخذونه هم، فإذا فرضنا أخوين وأبوين، فللأم السدس، وللأخوين السدس الذي حجبت عنه الأم، والباقي للأب، وذلك خلاف الظاهر، فإنه تعالى قال: {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}.
وتقديره: فإن كان له إخوة مع الأب، ويبعد أن يكون للأخوين مع الأب ميراث.
وهو يقول: ليس ذلك ميراثا من الأخ، وإنما الأم قد حجبت بالأخوة، فيرجع إليهم لا إلى الأب، فيقال: فإذا حجبوا بالأب، فليس لهم من الميراث شيء، ولا لها الثلث، فيقول الأب: أنا أسقطهم من الميراث، وهم أسقطوا، فيجعل كأن السدس لم يكن لك، فأنا المستحق لذلك بحكم العصوبة، وهذا في غاية الوضوح، فهذه هي المذاهب المنتزعة من الظاهر.
وصار بعض الناس إلى أن الأخوات لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس، لأن كتاب اللّه في الأخوة، وليست قوة ميراث الإناث مثل قوة ميراث الذكور حتى تقتضي العبرة الإلحاق.
ومقتضى أقوالهم أن لا يدخلن مع الأخوة في لفظ الأخوة، فإن لفظ الأخوة بمطلقه لا يتناول الأخوات (مع البنات) كما أن لفظ البنين لا يتناول البنات، وذلك يقتضي أن لا تحجب الأم بالأخ والأخت من الثلث إلى السدس، وهو خلاف إجماع المسلمين، وإذا كن مرادات بالآية مع الأخوة، كن مرادات على الانفراد.
ولو كان ذلك لقوة الذكورة، لاستوى الأخ الواحد والعدد، لأن ميراث الأخوة يستوي فيه الواحد والعدد، فهذا تمام المذاهب في الأوجه المنتزعة من الآية.
بقيت هاهنا مسألة واحدة دقيقة، وهي أنه إذا كان في الفريضة زوج وأم، وأخ وأخت لأم، فلا خلاف بين الصحابة أن للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخ وللأخت من الأم الثلث، وقد تمت الفريضة.
أما عامة الصحابة، فلأنهم حجبوا الأم بالأخ والأخت من الثلث إلى السدس، فاستقام لهم ذلك ها هنا.
وأما ابن عباس، فلأنه لا يرى العول، ولو جعل للأم الثلث لعالت المسألة، وهو لا يرى ذلك، وإذا قيل له: فلم كانت الأم بالنقصان أولى من الأخوين؟ لم يجد كلاما ظاهرا عليه.
وفيه دليل ظاهر على ما قاله أهل الإجماع من العلماء، وتخطئة ابن عباس في قوله.
ثم أبان اللّه تعالى ميراث الزوج والزوجة وحجبها بالولد من الربع إلى الثمن، ومن النصف إلى الربع، وميراثهما على نسبة ميراث العصبات:
{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، إلا أن ميراث العصبات لا يتعذر، وهذا مقدر، وميراث العصبات يشترك فيه الذكور والإناث، وها هنا لا يتصور الشركة.
إذا عرفنا ذلك، فأعلم أن كل من يحجبه الإبن يحجبه ابن الابن بالإجماع من الزوج والزوجة والإخوة، وذلك إما أن يدل على أن اسم الولد يتناول ابن الابن، أو يتلقى من الإجماع.
وإذا تبين ذلك، فقول اللّه عز وجل في ميراث الأزواج والأمهات: {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} مطلق، ولكن جمهور العلماء خصوا الحجب بمن يرث، فأما من لا يرث كالكافر والمملوك، فلا يحجب ولا يرث.
وصار ابن مسعود أن من لا يرث من هؤلاء يحجب حجب النقصان، ولا يحجب حجب الحرمان، وذكرنا فرقة بين الحجبين في مسائل الروايا، وهو فرق حسن، وصورته أن الأب الكافر لا يحجب عنده ابن نفسه عن ميراث جده. وأنه بمنزلة المعدوم في ذلك، فأعتبر أصحابنا حجب النقصان به، وذكرنا فرقة بينهما.
وكافة العلماء يقولون إن اللّه تعالى إنما شرع الحجب لأن الذي ينقص من نصيبه يرجع إلى الحاجب في الأغلب، فقوة ميراثه تقتضي ذلك، وأما الكافر فلا يتصور هذا في حقه، فكان كالمعدوم، وسره يرجع إلى أن الوراثة خلافة، إلا أن بعض الخلفاء أولى ببعض، فمن حجب حجب الحرمان، أخذ نصيب المحروم، ومن حجب حجب النقصان، أخذ نصيبه غالبا، وهذا بيّن لما ذكر اللّه الولد، وأجمع العلماء على أن ابن الإبن مثل الإبن، فعرفنا به أن المعتبر الميراث لا اسم الولد، وإذا تبين ذلك، فلا خلاف في الإبن والبنت وابن الابن وبنت الإبن، أن الميراث بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} لا بحكم الظاهر، فإن مطلق لفظ أولاده لا يتناول أولاد أولاده، وولد ولده ليس ولده تحقيقا، فإنه لو كان اسم الولد حقيقة فيه بالإضافة إلى الجد، ما كان حقيقة بالإضافة إلى الأب، فإن الجهة الواحدة إذا كان الإسم حقيقة فيها، لم يكن حقيقة في جهة أخرى تغايرها من طريق العموم، وإنما يكون على وجه الاستقراء بذلك الاشتراك، وذلك يقتضي الإجمال عند الإطلاق، وإذ تبين ذلك وعرف، لم يدخل ولد الإبن إلا بطريق الإجماع، فإذا ثبت ذلك، فإذا ترك بنتا وابنة ابن، فللبنت النصف بالتسمية، ولابنة الإبن السدس، وما بقي للعصبة، فاستحقاق ابنة الابن للسدس ليس مأخوذا من التسمية، وإنما أخذ من الإجماع.
فإذا ترك اثنتين وابنة ابن وابن ابن ابن فكمثل.
وقال ابن مسعود: إذا أخذ البنات الثلثين، فليس لبنات الإبن شيء، وإن كان معهن ذكر، وكذلك في الأخوات من الأب ذكر، درجتهن بعد فرض الأخوات من الأب والأم الثلثين، وأنه لو كان بدلهن عم وابن عم، كان لا تأخذ ابنة الابن شيئا، فكذلك مع الولد الذكر.
وأما جماهير العلماء فإنهم يقولون إن بنات الإبن لا يأخذن فرض البنات، وإنما يأخذن بجهة أخرى وهي جهة العصب، وإنما كان يمتنع ذلك لو أخذن في هذا الوقت بذلك الفرض الذي أخذ به غيرهن من البنات، فأما إذا أخذن بوجه غير ذلك، فليس هو من أولئك في شيء، فيجعل ما بقي من المال بعد الثلثين كأنه جملة مال لا فريضة فيه مسماة لأحد، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
ونشأ منه أنا إذا جعلنا هذا المال كأنه لا فريضة فيه لأحد أصلا، فإذا كان في الفريضة بنات ابن وذكر أسفل منهن، فلابد وأن يعصبهن، فإنه لو لم يعصبهن أخذن بالفرض، ونحن قدرنا المال كأن لا فرض فيه أصلا بحال، فإذا قدرنا ذلك، فلو فضلت العليا من بنات البنين على من هو أسفل منها من بني البنين في الثلث الذي يبقى، لم تكن الفريضة قد مضت.
فإن قيل: كيف جاز أن ترث بنت الابن بسبب ابن الابن، ولولا مكانه لم يرث شيئا؟ قيل: كما أنا إذا فرضنا ابنا وعشر بنات أخذن أكثر من الثلثين، ولو كن منفردات لم يأخذن، فصار لهن بسبب التعصيب أكثر مما لهن عند الانفراد، وربما كان التعصيب سببا للسقوط في بعض المواضع.
فإن قيل: فإذا فرض اثنتين وبنت ابن وأخت فلم لا يجعل الثلث الباقي بعد فرض البنتين لبنت الابن، وتجعل عصبة كما جعلتم الأخت عصبة، فإن بنوة الميت أولى بالميراث من بني أبي الميت، وعندكم أن الباقي بعد فرض البنتين للأخت، ولم لا يجعل لها العصوبة هاهنا على قياس حالها عند الانفراد كما جعل للأخت المعصوبة؟
ووجه الجواب عنه أنا بإعطائنا بنات الصلب الثلثين، قضينا حق الإناث من أولاد الصلب من الميراث، فلو أخذت بنت الإبن لأخذت ببنوة الميت.
فإن قلتم: الذي أخذ به البنات بالفرض، فهلا أثبتم العصوبة هاهنا وهي جهة أخرى؟
فالجواب عنه أن العصوبة إنما تثبت إذا كانت الجهة في الأصل مخالفة لجهة ميراث البنت، فيعدل من الفرض إلى العصوبة لغرض حفظ الجهة، أما إذا كانت الجهة واحدة وقد قضى من الميراث حقها، فلا وجه لإثبات الميراث لها ثابتا بجهة العصوبة.
نعم إذا كان هناك ابن ابن فليس ميراث الذكر من جنس ميراث الإناث، وكذلك لو كانت ابنة وابن ابن، فالباقي لابن الابن، لا بطريق أنه تكملة الثلثين، ولو كان يدل ذلك ابنة ابن، فلها تكملة الثلثين، فيدل ذلك على اختلاف الجهة.
ويدل على ذلك أنا إذا فرضنا أختا لأب وأم وأختا لأب، فلولد الأب السدس تكملة الثلثين، ولو كان أولاد الأب والأم اثنتين، فلا شيء لأولاد الأب إلا أن يكون معهن ذكر يعصب، وهو نظير مسألتنا، سوى أن الأسفل في الدرجة لا يعصب الأخوات للأم لوجه آخر، فهذا تمام البيان في ذلك.